responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 404
أَنَّ كُلَّ مَنْ أَتَى بِهَذَا الْإِيمَانِ وَبِهَذَا الْعَمَلِ فَإِنَّهُ يَرِدُ الْقِيَامَةَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا حَزَنٍ. وَالْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِهِمَا أَنَّ الْخَوْفَ يتعلق بالمستقبل، والحزن بالماضي، فقال فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ مَا يُشَاهِدُونَ مِنْ أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ بِسَبَبِ مَا فَاتَهُمْ مِنْ طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا لِأَنَّهُمْ وَجَدُوا أُمُورًا أَعْظَمَ وَأَشْرَفَ وَأَطْيَبَ مِمَّا كَانَتْ لَهُمْ حَاصِلَةً فِي الدُّنْيَا، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَحْزَنُ بِسَبَبِ طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُمْكِنُ خُلُوُّ الْمُكَلَّفِ الَّذِي لَا يَكُونُ مَعْصُومًا عَنْ أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ؟
وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى شَرَطَ ذَلِكَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَلَا يَكُونُ آتِيًا بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ إِلَّا إِذَا كَانَ تَارِكًا لِجَمِيعِ الْمَعَاصِي، وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِنْ حَصَلَ خَوْفٌ فَذَلِكَ عَارِضٌ قَلِيلٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: إِنَّهُ تَعَالَى شَرَطَ عَدَمَ الْخَوْفِ وَعَدَمَ الْحَزَنِ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْمَشْرُوطُ بِشَيْءٍ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ، فَلَزِمَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَأْتِ مَعَ الْإِيمَانِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الْخَوْفُ وَالْحَزَنُ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنَ الْعَفْوِ عَنْ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ لَا يَقْطَعُ بِأَنَّ اللَّه يَعْفُو عَنْهُ لَا مَحَالَةَ، فَكَانَ الْخَوْفُ وَالْحَزَنُ حَاصِلًا قَبْلَ إِظْهَارِ الْعَفْوِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَفِي هَذَا التَّكْرِيرِ فَائِدَتَانِ، الْأُولَى: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، فَالْفَائِدَةُ فِي هَذَا التَّكْرِيرِ إِخْرَاجُهُمْ عَنْ وَعْدِ عَدَمِ الْخَوْفِ وَعَدَمِ الْحَزَنِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَطْلَقَ لَفْظَ الْإِيمَانِ، وَالْإِيمَانُ يَدْخُلُ تَحْتَهُ أَقْسَامٌ، وَأَشْرَفُهَا الْإِيمَانُ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَكَانَتِ الْفَائِدَةُ فِي الْإِعَادَةِ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَشْرَفُ أَقْسَامِ الْإِيمَانِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وُجُوهًا كَثِيرَةً فِي قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكُلُّهَا صَالِحَةٌ لِهَذَا الْمَوْضِعِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: الرَّاجِعُ إِلَى اسْمِ (إِنَّ) مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ، إِلَّا أَنَّهُ حَسُنَ الْحَذْفُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا، واللَّه أعلم.

[سورة المائدة (5) : آية 70]
لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (70)
اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ عُتُوِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَشِدَّةِ تَمَرُّدِهِمْ عَنِ الْوَفَاءِ بِعَهْدِ اللَّه، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا افْتَتَحَ اللَّه بِهِ السُّورَةَ، وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: 1] فَقَالَ لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ يَعْنِي خَلَقْنَا الدَّلَائِلَ وَخَلَقْنَا الْعَقْلَ الْهَادِي إِلَى كَيْفِيَّةِ الِاسْتِدْلَالِ، وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا بِتَعْرِيفِ الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ. وَقَوْلُهُ كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ جُمْلَةٌ شَرْطِيَّةٌ وَقَعَتْ صِفَةً لِقَوْلِهِ رُسُلًا وَالرَّاجِعُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ:
كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ، أَيْ بِمَا يُخَالِفُ أَهْوَاءَهُمْ وَمَا يُضَادُّ شَهَوَاتِهِمْ مِنْ مَشَاقِّ التَّكْلِيفِ.
وهاهنا سُؤَالَاتٌ:
الْأَوَّلُ: أَيْنَ جَوَابُ الشَّرْطِ؟ فَإِنَّ قَوْلَهُ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِهَذَا الشَّرْطِ،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 404
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست